مقدمة حول جوامع الكلم النبوي

خص الله نبيه صلى الله عليه وسلم بجملة من الخصائص , من أهمها , أنه
أوتي جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه , واختصر له الكلام اختصاراً , فجمع الله
له المعاني الكثيرة في ألفاظ يسيرة , وجعل ذلك من أدلة نبوته , وأعلام
رسالته , ليسهل على السامعين حفظه , ولا يشق عليهم حمله وتبليغه , وكل هذا
من الحفظ الذي تكفّل الله به لهذا الدين .
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بعثت بجوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وبينا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض , فوضعت في يدي ). وفي رواية للترمذي ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ , أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , ......... الحديث ) .
قال الزهري " وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك " .
وجوامع الكلم التي بعث بها نبينا عليه الصلاة والسلام , تشمل ما جاء في القرآن من الآيات الجامعة , كقوله عز وجل : {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي }( النحل 90 )
فإن هذه الآية لم تترك خيراً إلا أمرت به ولا شراً إلا نهت عنه , وهي مما بعث به صلى الله عليه وسلم .
وتشمل
أيضا ما جاء في كلامه صلى الله عليه وسلم مما هو مروي في كتب السنة ,
والمقصود هنا الكلام على النوع الثاني , وهو جوامع الكلم النبوي .
وقد
وردت عن الأئمة المتقدمين عدة أقوال في تحديد أصول الأحاديث النبوية أو
الأحاديث الجامعة التي يدور عليها الدين , فمن ذلك ما جاء عن الإمام أحمد -رحمه الله - أنه قال : " أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث : حديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ), وحديث عائشة : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ), وحديث النعمان بن بشير : ( الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن )
وقال الإمام أبو داود : "نظرت في الحديث المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث , ثم نظرت فإذا مدار أربعة آلاف الحديث على أربعة أحاديث , حديثِ النعمان بن بشير : ( الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن ), وحديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ), وحديث أبي هريرة : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ......... الحديث ) , وحديث : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) , قال : فكل حديث من هذه الأربعة ربع العلم ".
وأنشد بعضهم :
عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعملن بنية
ويعني بقوله " ازهد " حديث : (ازهد في الدنيا يحبك الله ....الحديث ) .
وقد اجتهد أهل العلم في جمع تلك الأحاديث الجوامع , وصنفوا في ذلك المصنفات , حتى جاء الإمام النووي-
رحمه الله -, فجمع اثنين وأربعين حديثاً جامعاً عليها مدار الدين , وهي
التي عرفت فيما بعد "بالأربعين النووية" , واشتهرت هذه الأربعين وأقبل
الناس على حفظها ونفع الله بها , ببركة نية صاحبها وحسن قصده , وقد شرحها
الحافظ ابن رجب الحنبلي شرحا نفيساً في كتابه جامع العلوم والحكم , وزاد
عليها ثمانية أحاديث تمام الخمسين .
فينبغي على المسلم أن يعتني
بهذه الأحاديث حفظا وفهما ودراسة , وأن يجعلها من أوائل الأحاديث التي
يُربَّى عليها الأطفال والناشئة , وسنعرض في المواضيع القادمة بعض هذه
الأحاديث بشيء من التفصيل والشرح , والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق