اَلنَّوْعُ
اَلْأَوَّلُ اَلصَّحِيحُ
تَقْسِيمُ اَلْحَدِيثِ إِلَى أَنْوَاعِهِ صِحَّةً
وَضَعْفًا
أَنَّ اَلْحَدِيثَ عِنْدَ أَهْلِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ
وَضَعِيفٍ
هَذَا اَلتَّقْسِيمُ إِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي نَفْسِ
اَلْأَمْرِ, فَلَيْسَ إِلَّا صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ, وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى اِصْطِلَاحِ اَلْمُحَدِّثِينَ, فَالْحَدِيثُ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ إِلَى
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ, كَمَا قَدْ ذَكَرَهُ آنِفًا هُوَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا .
تَعْرِيفُ اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ
أَمَّا اَلْحَدِيثُ اَلصَّحِيحُ فَهُوَ اَلْحَدِيثُ اَلْمُسْنَدُ اَلَّذِي
يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ عَنْ اَلْعَدْلِ
اَلضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ, وَلَا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا .
ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ فَوَائِدَهُ, وَمَا اِحْتَرَزَ بِهَا عَنْ
اَلْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُعْضَلِ وَالشَّاذِّ, وَمَا فِيهِ عِلَّةٌ
قَادِحَةٌ وَمَا فِي رَاوِيهِ مِنْ نَوْعِ
جَرْحٍ .
وَهَذَا هُوَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يُحْكَمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ, بِلَا
خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ
اَلْأَحَادِيثِ, لِاخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِ هَذِهِ اَلْأَوْصَافِ, أَوْ فِي
اِشْتِرَاطِ بَعْضِهَا, كَمَا فِي اَلْمُرْسَلِ
) فَحَاصِلُ حَدِّ اَلصَّحِيحِ أَنَّهُ اَلْمُتَّصِلُ سَنَدُهُ بِنَقْلِ
اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ, حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ r
أَوْ إِلَى مُنْتَهَاهُ, مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ مَنْ دُونَهُ, وَلَا يَكُونُ
شَاذًّا, وَلَا مَرْدُودًا, وَلَا مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ, وَقَدْ يَكُونُ
مَشْهُورًا أَوْ
أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ صِحَاحَ اَلْحَدِيثِ
(فَائِدَةٌ) أَوَّلُ مَنْ اِعْتَنَى بِجَمْعِ اَلصَّحِيحِ أَبُو عُبَيْدَةَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ اَلْبُخَارِيُّ, وَتَلَاهُ صَاحِبُهُ وَتِلْمِيذُهُ
أَبُو اَلْحَسَنِ مُسْلِمُ بْنُ اَلْحَجَّاجِ اَلنَّيْسَابُورِيُّ فَهُمَا أَصَحُّ
كُتُبِ اَلْحَدِيثِ وَالْبُخَارِيُّ أَرْجَحُ; لِأَنَّهُ اِشْتَرَطَ فِي
إِخْرَاجِهِ اَلْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ هَذَا أَنْ يَكُونَ اَلرَّاوِي قَدْ
عَاصَرَ شَيْخَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ سَمَاعُهُ مِنْهُ, وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُسْلِمٌ
اَلثَّانِيَ, بَلْ اِكْتَفَى بِمُجَرَّدِ اَلْمُعَاصَرَةِ وَمِنْ هَاهُنَا
يَنْفَصِلُ لَكَ اَلنِّزَاعُ فِي تَرْجِيحِ تَصْحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ عَلَى
مُسْلِمٍ, كَمَا هُوَ قَوْلُ اَلْجُمْهُورِ, خِلَافًا لِأَبِي عَلِيٍّ
اَلنَّيْسَابُورِيِّ شَيْخِ اَلْحَاكِمِ, وَطَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْمَغْرِبِ
.
ثُمَّ إِنَّ اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يَلْتَزِمَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ
مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ, فَإِنَّهُمَا قَدْ صَحَّحَا
أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابَيْهِمَا, كَمَا يَنْقُلُ اَلتِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ عَنْ اَلْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ, بَلْ فِي
اَلسُّنَنِ وَغَيْرِهَا .
غَرِيبًا .
وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فِي نَظَرِ اَلْحُفَّاظِ فِي مَحَالِّهِ, وَلِهَذَا
أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَصَحَّ اَلْأَسَانِيدِ عَلَى بَعْضِهَا فَعَنْ أَحْمَدَ
وَإِسْحَاقَ أَصَحُّهَا اَلزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ
بْنُ اَلْمَدِينِيِّ والفَلَّاسُ أَصَحُّهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ
عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَصَحُّهَا اَلْأَعْمَشُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ اَلْبُخَارِيِّ مَالِكٌ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ اَلشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ,
إِذْ هُوَ أَجَلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ .
إِطْلَاقُ اِسْمِ "اَلصَّحِيحِ" عَلَى
اَلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ
وَكَانَ اَلْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ
يُسَمِّيَانِ كِتَابَ اَلتِّرْمِذِيِّ "اَلْجَامِعَ اَلصَّحِيحَ"
وَهَذَا تَسَاهُلٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةً
وَقَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ اَلسَّكَنِ, وَكَذَا اَلْخَطِيبُ
اَلْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ اَلسُّنَنِ لِلنَّسَائِيِّ إِنَّهُ صَحِيحٌ, فِيهِ
نَظَرٌ وَإِنَّ لَهُ شَرْطًا فِي اَلرِّجَالِ أَشَدُّ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ غَيْرَ
مُسَلَّمٍ, فَإِنَّ فِيهِ رِجَالًا مَجْهُولِينَ إِمَّا عَيْنًا أَوْ حَالًا,
وَفِيهِمْ اَلْمَجْرُوحُ, وَفِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَمُعَلَّلَةٌ
وَمُنْكَرَةٌ, كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي (اَلْأَحْكَامِ اَلْكَبِيرِ) .
مُسْنَدُ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَأَمَّا قَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
اَلْمَدِينِيِّ عَنْ مُسْنَدِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ إِنَّهُ صَحِيحٌ, فَقَوْلٌ
ضَعِيفٌ, فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً, بَلْ وَمَوْضُوعَةً, كَأَحَادِيثِ
فَضَائِلِ مَرْوٍ, وَعَسْقَلَانَ, وَالْبَرْثِ اَلْأَحْمَرِ عِنْدَ حِمْصٍ,
وَغَيْرِ ذَلِكَ, كَمَا قَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ اَلْحُفَّاظِ .
ثُمَّ إِنَّ اَلْإِمَامَ أَحْمَدَ قَدْ فَاتَهُ فِي كِتَابِهِ هَذَا -مَعَ
أَنَّهُ لَا يُوَازِيهِ مُسْنَدٌ فِي كَثْرَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقَتِهِ- أَحَادِيثُ
كَثِيرَةٌ جِدًّا, بَلْ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ
اَلصَّحَابَةِ اَلَّذِينَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْنِ .
(اَلْكُتُبُ اَلْخَمْسَةُ وَغَيْرُهَا)
وَهَكَذَا قَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي طَاهِرٍ اَلسَّلَفِيِّ فِي اَلْأُصُولِ
اَلْخَمْسَةِ, يَعْنِي اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا وَسُنَنَ أَبِي دَاوُدَ
وَاَلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ إِنَّهُ اِتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهَا عُلَمَاءُ
اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تَسَاهُلٌ مِنْهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ اِبْنُ
اَلصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَهِيَ ذَلِكَ أَعْلَى رُتْبَةً
مِنْ كُتُبِ اَلْمَسَانِيدِ كَمُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ, وَالدَّارِمِيِّ,
وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَأَبِي يَعْلَى, وَالْبَزَّارِ, وَأَبِي دَاوُدَ
اَلطَّيَالِسِيِّ, وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ,
وَعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ مُوسَى, وَغَيْرِهِمْ; لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ عَنْ
كُلِّ صَحَابِيٍّ مَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ حَدِيثِهِ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق