16‏/08‏/2011

انواع الحديث الحديث الحسن


  وَهُوَ فِي اَلِاحْتِجَاجِ بِهِ كَالصَّحِيحِ عِنْدَ اَلْجُمْهُورِ
وَهَذَا اَلنَّوْعُ لَمَّا كَانَ وَسَطًا بَيْنَ اَلصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ فِي نَظَرِ اَلنَّاظِرِ, لَا فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ، عَسُرَ اَلتَّعْبِيرُ عَنْهُ وَضَبْطُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلصِّنَاعَةِ وَذَلِكَ; لِأَنَّهُ نِسْبِيٌّ, شَيْءٌ يَنْقَدِحُ عِنْهُ اَلْحَافِظِ, رُبَّمَا تَقْصُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ .
وَقَدْ تَجَشَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَدَّهُ فَقَالَ اَلْخَطَّابِيُّ هُوَ مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ, وَعَلَيْهِ مَدَارُ أَكْثَرِ
اَلْحَدِيثِ, وَهُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُهُ أَكْثَرُ اَلْعُلَمَاءِ, وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ اَلْفُقَهَاءِ .
فَإِنْ كَانَ اَلْمُعَرِّفُ هُوَ قَوْلُهُ "مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ, فَالْحَدِيثُ اَلصَّحِيحُ كَذَلِكَ, بَلْ وَالضَّعِيفُ وَإِنْ كَانَ بَقِيَّةُ اَلْكَلَامِ مِنْ تَمَامِ اَلْحَدِّ, فَلَيْسَ هَذَا اَلَّذِي ذَكَرَهُ مُسَلَّمًا لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ اَلْحَدِيثِ مِنَ قَبِيلِ اَلْحِسَانِ, وَلَا هُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُهُ
أَكْثَرُ اَلْعُلَمَاءِ وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ اَلْفُقَهَاءِ .
تَعْرِيفُ اَلتِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَرُوِّينَا عَنْ اَلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْحَسَنِ أَنْ يَكُونَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ, وَلَا يَكُونَ حَدِيثًا شَاذًّا, وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ ذَلِكَ .
وَهَذَا إِذَا كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ اَلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَهُ, فَفِي أَيِّ كِتَابٍ لَهُ قَالَهُ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ عَنْهُ؟ وَإِنْ كَانَ قَدْ فُهِمَ مِنْ اِصْطِلَاحِهِ فِي كِتَابِهِ "اَلْجَامِعِ" فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ, فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ, لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ .
(تَعْرِيفَاتٌ أُخْرَى لِلْحَسَنِ)
قَالَ اَلشَّيْخُ عَمْرُو بْنُ اَلصَّلَاحِ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- وَقَالَ بَعْضُ اَلْمُتَأَخِّرِينَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي فِيهِ ضَعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلٌ, هُوَ اَلْحَدِيثُ اَلْحَسَنُ, وَيَصْلُحُ لِلْعَمَلِ بِهِ .
وَكُلُّ هَذَا مُسْتَبْهِمٌ لَا يَشْفِي اَلْغَلِيلَ, وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ مَا يَفْصِلُ اَلْحَسَنَ عَنْ اَلصَّحِيحِ, وَقَدْ أَمْعَنْتُ اَلنَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْبَحْثَ, فَتَنَقَّحَ لِي وَاتَّضَحَ أَنَّ اَلْحَدِيثَ اَلْحَسَنَ قِسْمَانِ:
(أَحَدُهُمَا) اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي لَا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ, غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ اَلْخَطَأِ, وَلَا هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ, وَيَكُونُ مَتْنُ اَلْحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ شَاذًّا أَوْ مُنْكَرًا وَكَلَامُ اَلتِّرْمِذِيِّ عَلَى هَذَا اَلْقِسْمِ يُتَنَزَّلُ .
 لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(اَلْقِسْمُ اَلثَّانِي) أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مِنَ اَلْمَشْهُورِينَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ رِجَالِ اَلصَّحِيحِ فِي اَلْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ, وَلَا يُعَدُّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مُنْكَرًا, وَلَا يَكُونُ اَلْمَتْنُ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًاوَعَلَى هَذَا يُتَنَزَّلُ كَلَامُ اَلْخَطَّابِيِّ, وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا .
قَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ اَلْحَدِيثِ مِنْ طُرُقِ مُتَعَدِّدَةٍ كَحَدِيثِ , "اَلْأُذُنَانِ مِنْ اَلرَّأْسِ" - أَنْ يَكُونَ حَسَنًا; لِأَنَّ اَلضَّعْفَ يَتَفَاوَتُ, فَمِنْهُ مَا لَا يَزُولُ بِالْمُتَابَعَاتِ, يَعْنِي لَا يُؤَثِّرُ كَوْنُهُ تَابِعًا أَوْ مَتْبُوعًا, كَرِوَايَةِ اَلْكَذَّابِينَ وَالْمَتْرُوكِينَ, وَمِنْهُ ضَعْفٌ يَزُولُ بِالْمُتَابَعَةِ, كَمَا إِذَا كَانَ رَاوِيهِ سَيِّئَ اَلْحِفْظِ, أَوْ رَوَى اَلْحَدِيثَ مُرْسَلًا, فَإِنَّ اَلْمُتَابَعَةَ تَنْفَعُ حِينَئِذٍ, وَيُرْفَعُ اَلْحَدِيثُ عَنْ حَضِيضِ اَلضَّعْفِ إِلَى أَوْجِ اَلْحُسْنِ أَوْ اَلصِّحَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(اَلتِّرْمِذِيُّ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ)
وَكِتَابُ اَلتِّرْمِذِيِّ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ, وَهُوَ اَلَّذِي نَوَّهَ بِذِكْرِهِ, وَيُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ, كَأَحْمَدَ, وَالْبُخَارِيِّ, وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ, كَاَلدَّارَقُطْنِيِّ .
(أَبُو دَاوُدَ مِنْ مَظَانِّ اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ)
وَمِنْ مَظَانِّهِ سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ, رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرْتُ اَلصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ, وَمَا كَانَ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ, وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ, وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كُلِّ بَابٍ أَصَحَّ مَا عَرَفَهُ فِيهِ .
وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ هُوَ حَسَنٌ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : فَمَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ مَذْكُورًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ اَلصَّحِيحَيْنِ, وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَحَدٌ, فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ .
اَلرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِكِتَابِهِ (اَلسُّنَنِ) كَثِيرَةٌ جِدًّا, وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا مِنَ اَلْكَلَامِ, بَلْ وَالْأَحَادِيثِ, مَا لَيْسَ فِي اَلْأُخْرَى وَلِأَبِي عُبَيْدٍ الْآجُرِّيِّ عَنْهُ أَسْئِلَةٌ فِي اَلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ, وَالتَّصْحِيحِ وَالتَّعْلِيلِ, كِتَابٌ مُفِيدٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَرِجَالٌ قَدْ ذَكَرَهَا فِي سُنَنِهِ فَقَوْلُهُ وَمَا سَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ, مَا سَكَتَ عَلَيْهِ فِي سُنَنِهِ فَقَطْ؟ أَوْ مُطْلَقًا؟ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي اَلتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالتَّيَقُّظُ لَهُ .
كِتَابُ اَلْمَصَابِيحٍ لِلْبَغَوِيِّ
وَمَا يَذْكُرُهُ اَلْبَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ (اَلْمَصَابِيحِ) مِنْ أَنَّ اَلصَّحِيحَ مَا أَخْرَجَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا, وَأَنَّ اَلْحَسَنَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَأَشْبَاهُهُمَا, فَهُوَ اِصْطِلَاحٌ خَاصٌّ, لَا يُعْرَفُ إِلَّا لَهُ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ اَلنَّوَوِيُّ ذَلِكَ لِمَا فِي بَعْضِهِمَا مِنَ اَلْأَحَادِيثِ اَلْمُنْكَرَةِ .
صِحَّةُ اَلْإِسْنَادِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا صِحَّةُ اَلْحَدِيثِ .
وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ اَلْحُسْنِ عَلَى اَلْإِسْنَادِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اَلْحُكْمُ بِذَلِكَ عَلَى اَلْمَتْنِ, إِذْ قَدْ يَكُونُ شَاذًّا أَوْ مُعَلَّلًا .
قَوْلُ اَلتِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَأَمَّا قَوْلُ اَلتِّرْمِذِيِّ "هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ" فَمُشْكِلٌ; لِأَنَّ اَلْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَالْمُتَعَذِّرِ, فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ إِسْنَادَيْنِ حَسَنٍ وَصَحِيحٍ .

ليست هناك تعليقات: