اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثَ عَشَرَ اَلشَّاذُّ
قَالَ اَلشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ
اَلثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى اَلنَّاسُ, وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ
يَرْوِيَ مَا لَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ .
وَقَدْ حَكَاهُ اَلْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى اَلْخَلِيلِيُّ اَلْقَزْوِينِيُّ
عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلْحِجَازِيِّينَ أَيْضًا .
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ اَلْحَدِيثِ أَنَّ اَلشَّاذَّ مَا لَيْسَ لَهُ
إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ, يَشِذُّ بِهِ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ, فَيُتَوَقَّفُ
فِيمَا شَذَّ بِهِ اَلثِّقَةُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ, وَيُرَدُّ مَا شَذَّ بِهِ
غَيْرُ اَلثِّقَةِ .
وَقَالَ اَلْحَاكِمُ اَلنَّيْسَابُورِيُّ هُوَ اَلَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ اَلثِّقَةُ, وَلَيْسَ لَهُ مُتَابِعٌ قَالَ
اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا
حَدِيثُ , اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ - فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ
بِهِ عُمَرُ, وَعَنْهُ عَلْقَمَةُ, وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيُّ, وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ اَلْأَنْصَارِيُّ .
ثُمَّ تَوَاتَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هَذَا, فَيُقَالُ إِنَّهُ رَوَاهُ
عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْنِ, وَقِيلَ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ, وَقَدْ ذَكَرَ
لَهُ اِبْنُ مَنْدَهْ مُتَابَعَاتٍ غَرَائِبَ, وَلَا تَصِحُّ, كَمَا بَسَطْنَاهُ
فِي مُسْنَدِ عُمَرَ, وَفِي اَلْأَحْكَامِ اَلْكَبِيرِ .
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ
عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ r نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ" .
وَتَفَرَّدَ مَالِكٌ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ , أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ r دَخَلَ مَكَّةَ, وَعَلَى رَأْسِهِ اَلْمِغْفَرُ - .
وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ اَلثَّلَاثَةِ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ
هَذِهِ اَلْوُجُوهِ اَلْمَذْكُورَةِ فَقَطْ .
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ لِلزُّهْرِيِّ تِسْعُونَ
حَرْفًا لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ .
وَهَذَا اَلَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ, مِنْ تَفَرُّدِهِ
بِأَشْيَاءَ لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ يُشَارِكُهُ فِي نَظِيرِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ
اَلرُّوَاةِ .
فَإِذَنْ اَلَّذِي قَالَهُ اَلشَّافِعِيُّ أَوَّلًا هُوَ اَلصَّوَابُ أَنَّهُ
إِذَا رَوَى اَلثِّقَةُ شَيْئًا قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ اَلنَّاسُ فَهُوَ
اَلشَّاذُّ, يَعْنِي اَلْمَرْدُودَ, وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْوِيَ
اَلثِّقَةُ مَا لَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ, بَلْ هُوَ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا
ضَابِطًا حَافِظًا .
فَإِنَّ هَذَا لَوْ رُدَّ لَرُدَّتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا
اَلنَّمَطِ, وَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنَ اَلْمَسَائِلِ عَنْ اَلدَّلَائِلِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ اَلْمُنْفَرِدُ بِهِ غَيْرَ حَافِظٍ, وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ
عَدْلٌ ضَابِطٌ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ فَإِنْ فَقَدَ ذَلِكَ فَمَرْدُودٌ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعَ عَشَرَ اَلْمُنْكَرُ
وَهُوَ كَالشَّاذِّ إِنْ خَالَفَ رَاوِيهِ اَلثِّقَاتِ فَمُنْكَرٌ
مَرْدُودٌ, وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا ضَابِطًا, وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ,
فَمُنْكَرٌ مَرْدُودٌ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ اَلَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ حَافِظٌ قُبِلَ
شَرْعًا, وَلَا يُقَالُ لَهُ "مُنْكَرٌ", وَإِنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ
لُغَةً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق