اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي عَشَرَ اَلْمُعْضَلُ
وَهُوَ
مَا سَقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ اِثْنَانِ فَصَاعِدًا, وَمِنْهُ مَا يُرْسِلُهُ
تَابِعُ اَلتَّابِعِيِّ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَمِنْهُ قَوْلُ
اَلْمُصَنِّفِينَ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى
اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" وَقَدْ سَمَّاهُ اَلْخَطِيبُ فِي بَعْضِ
مُصَنَّفَاتِهِ "مُرْسَلًا" وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُسَمِّي
كُلَّ مَا لَا يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ "مُرْسَلًا" .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَقَدْ رَوَى اَلْأَعْمَشُ عَنْ اَلشَّعْبِيِّ قَالَ
, وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَمِلْتَ
كَذَا وَكَذَا;
فَيَقُولُ لَا, فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ - اَلْحَدِيثَ قَالَ فَقَدْ أَعْضَلَهُ اَلْأَعْمَشُ; لِأَنَّ اَلشَّعْبِيَّ يَرْوِيهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ اَلنَّبِيِّ r قَالَ فَقَدْ
أَسْقَطَ مِنْهُ اَلْأَعْمَشُ أَنَسًا وَالنَّبِيَّ r فَتَنَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى مُعْضَلًا .
فَيَقُولُ لَا, فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ - اَلْحَدِيثَ قَالَ فَقَدْ أَعْضَلَهُ اَلْأَعْمَشُ; لِأَنَّ اَلشَّعْبِيَّ يَرْوِيهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ اَلنَّبِيِّ r قَالَ فَقَدْ
أَسْقَطَ مِنْهُ اَلْأَعْمَشُ أَنَسًا وَالنَّبِيَّ r فَتَنَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى مُعْضَلًا .
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُطْلِقَ عَلَى اَلْإِسْنَادِ المُعَنْعَنِ
اِسْمَ "اَلْإِرْسَالِ" أَوْ "اَلِانْقِطَاعِ" .
وَالصَّحِيحُ اَلَّذِي عَلَيْهِ اَلْعَمَلُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ مَحْمُولٌ عَلَى
اَلسَّمَاعِ, إِذَا تَعَاصَرُوا, مَعَ اَلْبَرَاءَةِ مِنْ وَصْمَةِ اَلتَّدْلِيسِ
.
وَقَدْ اِدَّعَى اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِيُّ اَلْمُقْرِئُ
إِجْمَاعَ أَهْلِ اَلنَّقْلِ عَلَى ذَلِكَ, وَكَادَ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ أَنْ
يَدَّعِيَ ذَلِكَ أَيْضًا
وَهَذَا هُوَ اَلَّذِي اِعْتَمَدَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَشَنَّعَ فِي
خُطْبَتِهِ عَلَى مَنْ يَشْتَرِطُ مَعَ اَلْمُعَاصَرَةِ اَللُّقْيَ, حَتَّى قِيلَ
إِنَّهُ يُرِيدُ اَلْبُخَارِيَّ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَلِيَّ بْنَ
اَلْمَدِينِيِّ, فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ صِحَّةِ اَلْحَدِيثِ,
وَأَمَّا اَلْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُهُ فِي أَصْلِ اَلصِّحَّةِ,
وَلَكِنْ اِلْتَزَمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ "اَلصَّحِيحِ" وَقَدْ
اِشْتَرَطَ أَبُو اَلْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مَعَ اَللِّقَاءِ طُولَ
اَلصَّحَابَةِ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِيُّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا
بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ قُبِلَتْ اَلْعَنْعَنَةُ وَقَالَ اَلْقَابِسِيُّ إِنْ
أَدْرَكَهُ إِدْرَاكًا بَيِّنًا .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ اَلْأَئِمَّةُ فِيمَا إِذَا قَالَ اَلرَّاوِي "إِنَّ
فُلَانًا قَالَ" هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ "عَنْ فُلَانٍ",
فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى اَلِاتِّصَالِ, حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ؟ أَوْ
يَكُونَ قَوْلُهُ "إِنَّ فُلَانًا قَالَ" دُونَ قَوْلِهِ "عَنْ
فُلَانٍ"؟ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَعْقُوبُ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَرْدِيجِيُّ, فَجَعَلُوا "عَنْ"
صِيغَةَ اِتِّصَالٍ, وَقَوْلُهُ "إِنَّ فُلَانًا قَالَ كَذَا"
فِي حُكْمِ اَلِانْقِطَاعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَذَهَبَ اَلْجُمْهُورُ
إِلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِمَا مُتَّصِلَيْنِ, قَالَهُ اِبْنُ عَبْدِ
اَلْبَرِّ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ .
وَقَدْ حَكَى اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ اَلْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ
اَلْإِسْنَادَ اَلْمُتَّصِلَ بِالصَّحَابِيِّ, سَوَاءٌ فِيهِ أَنْ يَقُولَ
"عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-", أَوْ
"قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أَوْ
"سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" .
وَبَحَثَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو هَهُنَا فِيمَا إِذَا أَسْنَدَ اَلرَّاوِي
مَا أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ, فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَحَ فِي عَدَالَتِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ,
إِذَا كَانَ اَلْمُخَالِفُ لَهُ أَحْفَظَ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا,
وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ بِالْكَثْرَةِ أَوْ اَلْحِفْظِ, وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ
اَلْمُسْنَدَ مُطْلَقًا, إِذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا وَصَحَّحَهُ اَلْخَطِيبُ
وَابْنُ اَلصَّلَاحِ, وَعَزَاهُ إِلَى اَلْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ, وَحُكِيَ
عَنْ اَلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اَلزِّيَادَةُ مِنَ اَلثِّقَةِ
مَقْبُولَةٌ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّانِيَ عَشَرَ : اَلْمُدَلِّسُ
وَالتَّدْلِيسُ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ
لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ, أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ,
مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ .
وَمِنَ اَلْأَوَّلِ قَوْلُ اِبْنُ خَشْرَمٍ كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ, فَقَالَ "قَالَ اَلزُّهْرِيُّ
كَذَا" فَقِيلَ لَهُ أَسَمِعْتَ مِنْهُ هَذَا؟ قَالَ "حَدَّثَنِي
بِهِ عَبْدُ اَلرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ" .
وَقَدْ كَرِهَ هَذَا اَلْقِسْمَ مِنْ اَلتَّدْلِيسِ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْعُلَمَاءِ
وَذَمُّوهُ وَكَانَ شُعْبَةُ أَشَدَّ اَلنَّاسِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ, وَيُرْوَى
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ
.
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَهَذَا مَحْمُولٌ
عَلَى اَلْمُبَالَغَةِ وَالزَّجْرِ .
وَقَالَ اَلشَّافِعِيُّ اَلتَّدْلِيسُ أَخُو
اَلْكَذِبِ .
وَمِنَ اَلْحُفَّاظِ مَنْ جَرَّحَ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا اَلتَّدْلِيسِ مِنْ
اَلرُّوَاةِ, فَرَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا, وَإِنْ أَتَى بِلَفْظِ
اَلِاتِّصَالِ, وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ دَلَّسَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً,
كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ اَلشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَالصَّحِيحُ
اَلتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالسَّمَاعِ, فَيُقْبَلُ, وَبَيْنَ مَا
أُتِيَ فِيهِ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ, فَيُرَدُّ .
وَفِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ هَذَا اَلضَّرْبِ,
كَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْأَعْمَشِ وَقَتَادَةَ وَهُشَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ .
وَغَايَةُ اَلتَّدْلِيسِ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ اَلْإِرْسَالِ لِمَا ثَبَتَ
عِنْدَهُ, وَهُوَ يَخْشَى أَنْ يُصَرِّحَ بِشَيْخِهِ فَيُرَدُّ مِنْ أَجْلِهِ,
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا اَلْقِسْمُ اَلثَّانِي مِنْ اَلتَّدْلِيسِ فَهُوَ اَلْإِتْيَانُ بِاسْمِ اَلشَّيْخِ أَوْ كُنْيَتِهِ عَلَى خِلَافِ
اَلْمَشْهُورِ بِهِ, تَعْمِيَةً لِأَمْرِهِ, وَتَوْعِيرًا لِلْوُقُوفِ عَلَى
حَالِهِ, وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ اَلْمَقَاصِدِ, فَتَارَةً يُكْرَهُ,
كَمَا إِذَا كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ, أَوْ نَازِلَ اَلرِّوَايَةِ, وَنَحْوَ
ذَلِكَ, وَتَارَةً يَحْرُمُ, كَمَا إِذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ فَدَلَّسَهُ
لِئَلَّا يُعْرَفَ حَالُهُ, أَوْ أَوْهَمَ أَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ اَلثِّقَاتِ
عَلَى وَفْقِ اِسْمِهِ أَوْ كُنْيَتِهِ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ اَلْمُقْرِئُ عَنْ أَبِيهِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ "حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَبِي
عَبْدِ اَللَّهِ", وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ اَلنَّقَّاشِ
اَلْمُفَسِّرِ فَقَالَ "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنَدٍ" نَسَبُهُ
إِلَى جَدٍّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلصَّلَاحِ : وَقَدْ كَانَ اَلْخَطِيبُ لَهَجَ بِهَذَا اَلْقِسْمِ فِي مُصَنَّفَاتِهِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق