16‏/08‏/2011

الحديث المرسل و المنقطع


اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعُ اَلْمُرْسَلُ
 قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَصُورَتُهُ اَلَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا حَدِيثُ اَلتَّابِعِيِّ اَلْكَبِيرِ اَلَّذِي قَدْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَجَالَسَهُمْ, كَعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ اَلْخِيَارِ, ثُمَّ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ, وَأَمْثَالِهِمَا, إِذَا قَالَ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" .
وَالْمَشْهُورُ اَلتَّسْوِيَةُ بَيْنَ اَلتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ فِي ذَلِكَ وَحَكَى اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ إِرْسَالُ صِغَارِ اَلتَّابِعِينَ مُرْسَلًا .


ثُمَّ إِنَّ اَلْحَاكِمَ يَخُصُّ اَلْمُرْسَلَ بِالتَّابِعِينَ وَالْجُمْهُورُ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ يُعَمِّمُونَ اَلتَّابِعِينَ وَغَيْرَهُمْ .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي أُصُولِ اَلْفِقْهِ اَلْمُرْسَلُ قَوْلُ غَيْرِ اَلصَّحَابِيِّ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" .
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَصْوِيرِهِ عِنْدَ اَلْمُحَدِّثِينَ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً فِي اَلدِّينِ, فَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ اَلْأُصُولِ, وَقَدْ أَشْبَعْنَا اَلْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا "اَلْمُقَدِّمَاتِ" .
وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ "أَنَّ اَلْمُرْسَلَ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" وَكَذَا حَكَاهُ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ اَلْحَدِيثِ .
وَقَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ اَلِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَالْحُكْمِ بِضَعْفِهِ, هُوَ اَلَّذِي اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ آرَاءُ جَمَاعَةِ حُفَّاظِ اَلْحَدِيثِ وَنُقَّادِ اَلْأَثَرِ, وَتَدَاوَلُوهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ .
وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا فِي طَائِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, فِي رِوَايَةٍ .
وَأَمَّا اَلشَّافِعِيُّ فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مُرْسَلَاتِ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ حِسَانٌ, قَالُوا لِأَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مُسْنَدَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاَلَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ كَلَامَهُ فِي اَلرِّسَالَةِ "أَنَّ مَرَاسِيلَ كِبَارِ اَلتَّابِعِينَ حُجَّةٌ إِنْ جَاءَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, وَلَوْ مُرْسَلَةً, أَوْ اِعْتَضَدَتْ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَكْثَرِ اَلْعُلَمَاءِ, أَوْ كَانَ اَلْمُرْسِلُ لَوْ سَمَّى لَا يُسَمِّي إِلَّا ثِقَةً, فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُرْسَلُهُ حُجَّةً, وَلَا يَنْتَهِضُ إِلَى رُتْبَةِ اَلْمُتَّصِلِ" .
قَالَ اَلشَّافِعِيُّ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ غَيْرِ كِبَارِ اَلتَّابِعِينَ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَبِلَهَا .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ اَلصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَمْثَالِهِ, فَفِي حُكْمِ اَلْمَوْصُولِ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَرْوُونَ عَنْ اَلصَّحَابَةِ, وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ, فَجَهَالَتُهُمْ لَا تَضُرُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ اَلْإِجْمَاعَ عَلَى قَبُولِ مَرَاسِيلِ اَلصَّحَابَةِ وَذَكَرَ اِبْنُ اَلْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَيُحْكَى هَذَا اَلْمَذْهَبُ عَنْ اَلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ, لِاحْتِمَالِ تَلَقِّيهِمْ عَنْ بَعْضِ اَلتَّابِعِينَ
وَقَدْ وَقَعَ رِوَايَةُ اَلْأَكَابِرِ عَنْ اَلْأَصَاغِرِ, وَالْآبَاءِ عَنْ اَلْأَبْنَاءِ, كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اَللَّهُ -تَعَالَى- .
"تَنْبِيهٌ" وَالْحَافِظُ اَلْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ (اَلسُّنَنِ اَلْكَبِيرِ) وَغَيْرِهِ يُسَمِّي مَا رَوَاهُ اَلتَّابِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ اَلصَّحَابَةِ "مُرْسَلًا" فَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ مَعَ هَذَا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلُ اَلصَّحَابَةِ أَيْضًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
 
اَلنَّوْعُ اَلْعَاشِرُ : اَلْمُنْقَطِعُ
 قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَفِيهِ وَفِي اَلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْمُرْسَلِ مَذَاهِبُ .
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ أَنْ يَسْقُطَ مِنَ اَلْإِسْنَادِ رَجُلٌ, أَوْ يُذْكَرُ فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ .
وَمَثَّلَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ لِلْأَوَّلِ بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اَلرَّزَّاقِ عَنْ اَلثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا , إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَقَوِيٌّ أَمِينٌ - اَلْحَدِيثَ قَالَ فَفِيهِ اِنْقِطَاعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَبْدَ اَلرَّزَّاقِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ اَلثَّوْرِيِّ, إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ اَلنُّعْمَانِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ اَلْجَنَدِيِّ عَنْهُ وَالثَّانِي أَنَّ اَلثَّوْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ, إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْهُ .
وَمَثَّلَ اَلثَّانِيَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو اَلْعَلَاءِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ رَجُلَيْنِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ, حَدِيثُ "اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلثَّبَاتَ فِي اَلْأَمْرِ" .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اَلْمُنْقَطِعُ مِثْلُ اَلْمُرْسَلِ, وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ, غَيْرَ أَنَّ اَلْمُرْسَلَ أَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى مَا رَوَاهُ اَلتَّابِعِيُّ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ r .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَهَذَا أَقْرَبُ, وَهُوَ اَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ اَلَّذِي ذَكَرَهُ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ فِي كِفَايَتِهِ .
وَحَكَى اَلْخَطِيبُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ اَلْمُنْقَطِعَ مَا رُوِيَ عَنْ اَلتَّابِعِيِّ فَمَنْ دُونَهُ, مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ غَرِيبٌ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .


ليست هناك تعليقات: